Tuesday, May 5, 2015

المساواة والإطناب والإيجاز

No comments:
[المفهم المراد مما يقبل = إن لفظه ساواه فهو الأول
أو زاد مع فائدة فالثان أو = وفي بنقص فهو الإيجاز رأوا
فخرج التطويل والحشو كمع = فائدة وبالوفا الإخلال دع
ومن نفى أحدهما أو ادعى = فقد المساواة فلن يتبعا]
هذا هو الباب الثامن وهو باب عظيم حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أن البلاغة هي الإيجاز والإطناب، وقد اختلف في حقيقتهما فقال السكاكي ومن تبعه كالطيبي أنهما لكونهما من الأمور النسبية لا يتيسر الكلام فيهما إلا بترك التحقيق والرجوع إلى أمر عرفي وهو متعارف كلام الأوساط الذين ليسوا في مرتبة البلاغة فالإيجاز أداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها، وتارة يرجع فيه إلى كون المقام خليقًا بأبسط مما ذكر قال صاحب التلخيص وفيه نظر لأن كون الشيء نسبيًا لا يقتضي تعسر تحقق معناه والبناء على المتعارف والبسط الموصوف رد إلى الجهالة وإلى ذلك أشرت بقولي ومن نفى أحدهما، وقال ابن الأثير وغيره الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ زائد فلا واسطة عنده والمساواة داخلة في الإيجاز والسكاكي يراها واسطة لكن يجعلها أبدًا غير مقبولة بل بها يعتبر الإيجاز والإطناب المقبولان وإلى ذلك أشرت بقولي أو ادعى فقد المساواة والتصريح به من زيادتي. وقال صاحب التلخيص: الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساو له أي للأصل المراد أو ناقص عنه واف أو زائد عليه لفائدة والأول المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب، واحترز بواف عن الإخلال بأن يقصر اللفظ عن أداء الكلام على وجه يطابق مقتضى الحال كقوله:
والعيش خير في ظلا = ل النوك ممن عاش كدا
فإن المراد العيش الناعم في ظلال الجهل خير من العيش الشاق في ظلال العقل واللفظ غير واف بذلك. قلت لكن المقام يدل عليه، وهو من باب الاحتياك الآتي واحترز بفائدة عن التطويل وهو زيادة لفظ غير متعين لا لفائدة كقوله * وألفى قولها كذبا ومينا * فإن الكذب والمين
[شرح عقود الجمان: 67]
واحد والزائد أحدهما غير متعين، وعن الحشو وهي زيادة متعينة لا لفائدة مفسدا كان كالندى في قوله:
ولا فضل فيها للشجاعة والندى = وصبر الفتى لولا لقاء شعوب
مفهومه أنه لا فضل للشجاعة والندى لولا الموت وهو مستقيم في الشجاعة لأن المقدام إذا تيقن الموت ثم أقدم عليه حمد دون البذل لأن من تيقن الموت وتخليف المال لم يحمد على البذل وإنما يحمد عليه من يرجو الحياة والحاجة، أو غير مفسد كقوله * وأعلم علم اليوم والأمس قبله * فقوله قبله حشو لكنه غير مفسد:
[بلا يحيق المكر مثلا أولا = ضربان للإيجاز قصر قد خلا
من حذف شيء آية القصاص = فقد حوت فوائد اختصاص
على الذي أوجز ما فيه شهر = القتل أنفى بعد للقتل ذكر
بقلة الحروف والنص على = مطلوبه والنكر تعظيما جلا
وبالطباق وعن التقدير = غنى وإن خلا عن التكرير]
أما المساواة فكقوله تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}، واعترض على هذا المثال بأن فيه إيجازًا بحذف المستثنى منه وإطنابًا بقوله السيء إذ المكر لا يكون إلا سيئا. وأجاب الشيخ سعد الدين عن الأول: بأن هذا الحذف رعاية لأمر لفظي لا يفتقر إليه تأدية أصل المراد حتى لو صرح به لكان إطنابا بل تطويلاً ومثل في الإيضاح بقوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} قيل وفيه حذف موصوف الذين ويجاب بما تقدم. وأما الإيجاز فضربان: إيجاز القصر، وهو ما ليس فيه حذف وإيجاز الحذف فالأول كقوله تعالى: {ولكن في القصاص حياة} فإن معناه كثير ولفظه يسير لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيًا إلى أن لا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم وليس فيه حذف شيء وفضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم القتل أنفى للقتل بقلة حروف ما يقابله منه وهو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم وليس فيه حذف شيء وفضلت هذه الجملة على أوجز عن القتل العدوان وبما يفيده تنكير حياة من التعظيم وبالمطابقة وهي الجمع بين متقابلين في الجملة كالقصاص والحياة وباستغنائه عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن تقديره القتل أفي للقتل من تركه وبخلوه عن التكرير ولا شك أن الخالي عنه أفضل من المشتمل عليه، وإن لم يكن مخلا بالفصاحة ولهذا قيل في قول الشاعر:
وكأن العذار في صفحة الخد = د على حسن خدك المنعوت
صولجان من الزبرجد معطو = ف على أكرة من الياقوت
إنه أحسن ما وصف به العذار لولا ما فيه من تكرير الخد ولفضله أيضًا بالاطراد إذ القصاص مطلقًا سبب الحياة بخلاف القتل فإنه قد يكون أنفى للفتل وقد يكون أدعى له كالقتل ظلما، وبأمور أخر أوصلها الشيخ بهاء الدين إلى عشرين هذه محاسنها:
[قلت لقد قسم في التبيان ذا = إلى ثلاث كل قسم يحتذى
أن يقصر اللفظ على معناه = قصرا برى فقد الذي سلواه
[شرح عقود الجمان: 68]
وزائد المعنى على المنطوق = إيجاز تقدير مع التضييق
والجامع اللفظ حوى المعاني = كآية العدل مع الإحسان]
قسم الطيبي في التبيان الإيجاز الخالي من الحذف إلى ثلاثة أقسام: إيجاز قصر، وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله تعالى: إنه من سليمان إلى قوله تعالى وأتوني مسلمين جمع في أحرف العنوان الكتاب والحاجة في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه. قلت: وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز. الثاني إيجاز التقدير، وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضًا، وبه سماه في المصباح لأنه نقض من الكلام ما صار لفظه أضيق من معناه نحو {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه هدى للمتقين أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى. وقال بعضهم في رجل بلغه عنه كلام قبيح: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب علي ونزهني عن قول الحق فيه أي جعلني محسودا له فكذب علي ومع هذا نزهني أن أقول ما فيه. الثالث الإيجاز الجامع، وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية، والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله «أن تعمد الله كأنك تراه» أي تعبده مخلصًا في نيتك واقفًا في الخضوع آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى. وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر، وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرم شرعًا، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية. قلت ولهذا روى الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود قال «ما في القرآن آية أ”مع للخير والشر من هذه الآية» وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأ يوما هذه الآية ثم وقف فقال: إن الله تعالى جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئًا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر البغي من معصية الله شيئًا إلا جمعه، وروى أيضًا عن ابن شهاب في معنى حديث الشيخين «بعثت بجوامع الكلم» قال بلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك، ومن ذلك قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف} الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الوالدين، وفي الأمر بالعرف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات، وفي الإعراض الصبر والحلم والتودد والآيات والأحاديث مشحونة بذلك
[والثان ذو الحذف فما قد حذفا = مضاف أو موصوف أو ما وصفا
أو شرط أو جوابه خصر عني = أو يذهب السامع كل ممكن
قلت وموصول ووصل وكذا = جزآ إضافة وثانيها خذا
وذو تعلق مع المجرور = والعطف والمعطوف والتفسير
والحال والمبدل والمستثنى = وجزء كلمة وحرف معنى
أو جملة مسببا أو سببا = كقوله فانفجرت أي ضربا
أو فوقها فأرسلون يوسف = ومنه ما لا نوب عما يحذف
[شرح عقود الجمان: 69]
وقد يناب ثم عقل قد يدل = عليه والتعيين مقصود يحل
أو عادة أو اقتران أو شروع = في الفعل بسم الله مثل في الفروع]
الضرب الثاني إيجاز الحذف. قال الشيخ بهاء الدين: لا يقال إيجاز القصر فيه أيضًا حذف لكلام كثير لأن إيجاز القصر يؤتى فيه بلفظ قليل يؤدي معنى لفظ كثير وإيجاز الحذف يترك فيه شيء من ألفاظ التركيب الواحد مع إبقاء غيره بحاله والمحذوف إما جزء كلمة أو جزء جملة أو جملة أو أكثر والأول إما مضاف نحو: واسأل القرية أي أهل القرية، ولكن البر من اتقى: أي ذا البر أو بر من اتقى أو مضاف إليه كما رويته في قوله وثانيها خذا نحو: كل في فلك لله الأمر من قبل ومن بعد أو المضاف والمضاف إليه معا نحو: من أثر الرسول: أي أثر حافر فرس الرسول وهو معنى قولي من زيادتي جزآ إضافة أو موصوف نحو: وآتينا ثمود الناقة مبصرة أي آية مبصرة * أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * أي ابن رجل جلا أو صفة نحو: يأخذ كل سفينة غصبا: أي صالحة أو شرط كما تقدم في آخر الإنشاء تقديره أو جوابه إما لمجرد الاختصار نحو وإذا قيل لهم اتقوا الآية: أي أعرضوا وإما لقعد أن يذهب السامع كل مذهب ممكن فلا يتصور مطلوبًا أو مكروها إلا ويجوز أن يكون الأمر أعظم منه بخلاف ما لو اقتصر على ذكر شيء نحو: ولو ترى إذ وقفوا على النار أو موصول وهو وما بعده من زيادتي ومثله الطيبي والشيخ بهاء الدين بقوله تعالى: {ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار} أي ومن هو سارب. قلت وخرجوا عليه قول هرقل هذا يملك هذه الأمة قد ظهر أي الذي يملك أوصلته قال السكاكي والطيبي كقولهم جاء بعد اللتيا والتي أي بعد الشدائد التي بلغت فظاعتها مبلغا يبهت السامع فلا يدري ما يقول أو متعلق قال الطيبي نحو أي الفريقين خير مقاما أي أي الفريقين أبلغ في خير مقامه من الآخر في شره أقيم المتعلق مقام متعلقه أو جار ومجرور. قال الطيبي نحو خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئًا أي صالحا بسيء وآخر سيئًا بصالح. قلت وهذا هو النوع المسمى بالاحتباك وسيأتي في البديع أو حرف العطف مع المعطوف نحو بيده الخير أي والشر تقيكم الحر أي والبرد أو تمييز وهو المراد بقولي والتفسير نحو كم سرت أي ميلا أو حالاً نحو والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام أي قائلين أو المبدل منه نحو ولا تقولوا لما نصف ألسنتكم الكذب أو المستثنى نحو قبضت عشرة ليس إلا أو ليس غير وتقدم حذف المسند غليه والمسند والفعل والمفعول وقد يكون المحذوف جزء كلمة كالنون في لم يك والياء في والليل إذا يسر. وسأل المؤرخ السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال لا أجيبك حتى تنام على بابي ليلة ففعل فقال إن عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسرى وإنما كان يسرى فيه نقص منه حرف كما قال تعالى: {وما كنت أمك بغيا} الأصل باغية فلما حول عن فاعل نقص منه حرف وأشار إلى ذلك الطيبي وقد يكون حرفا من حروف المعاني كهمزة الاستفهام وواو العطف ورب ونحو ذلك وهو كثير، والجملة إما سبب لمذكور نحو أن اضرب بعصاك الحجر فانفجرت أي فضربه بها فانفجرت أو مسبب عن مذكور نحو ليحق الحق الآية أي فعل ما فعل ليحق ومثال أكثر من جملة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أي فأرسلون إلى يوسف لاستعيره الرؤيا ففعلوا وأتاه فقال له يا يوسف، ثم قد لا يقام شيء مقام المحذوف وقد يقام ثم قد يدل العقل على المحذوف والمقصود الأظهر على التعيين نحو حرمت عليكم الميتة والدم الآية فالعقل دل على أن هنا حذفًا إذ الأحكام الشرعية إنما تتعلق
[شرح عقود الجمان: 70]
بالأفعال دون الأعيان والمقصود الأظهر من هذه الأشياء تناولها الشامل للأكل وشرب الألبان فدل على تعيين المحذوف، وقد يدل على التعيين العقل أيضًا نحو: وجاء ربك أي أمره أو عذابه أو العادة نحو: فذلكن الذي لمتنني فيه يحتمل أن يقدر لمتنني في حبه لقوله قد شغفها حبا وفي مراودته لقوله تراود فتاها عن نفسه والعادة دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه لأنه ليس اختياريًا أو الاقتران كقولهم للعرس بالرفاء والبنين أي أعرست بالملايمة والاتفاق أو الشروع في الفعل نحو بسم الله فيقدر ما جعلت مبدأ له ففي القراءة أقرأ وفي السفر ارتحل ونحو ذلك والدليل على اعتبار ذلك التصريح به في حديث الصحيحين في الذكر عند النوم باسمك ربي وضعت جنبي:
[ويرد الإطناب بالإيضاح = من بعد إبهام لقصد ضاحي
مثل التلذاذ كامل للعلم به = أو مكنة في النفس بعد طلبه]
الإطناب يكون بأمور: منها الإيضاح بعد الإبهام أي إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب وفائدته إما تكثير لذة العلم به لأن الشيء إذا عرف من وجه ما تشوقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتأملت فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كان لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة وإما ليتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدًا لوقوعه بعد الطلب ومن أمثلة ذلك رب اشرح لي صدري فإن اشرح يفيد طلب شرح شيء ما له وصدري يفسره ومثله ويسر لي أمري والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقي الشدائد وكذا ألم نشرح لك صدرك والمقام مقام الامتنان والتفخيم.
[ومنه توشيع بآخر ترد = تثنية مضمونها بعد فرد]
من الإيضاح بعد الإبهام التوشيع وهو لغة لف القطن المندوف واصطلاحًا أن يؤتى في آخر الكلام بمثنى مفسر باسمين ثنيهما معطوف على الأول وقال في المصباح هو مأخوذ من الوشيعة وهي الطريقة في البرد كقوله صلى الله عليه وسلم: يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان الحرص وطول الأمل رواه البخاري من حديث أنس وقوله: عليكم بالشفاءين العسل والقرآن رواه ابن ماجه عن ابن مسعود وقوله: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رواه الترمذي عن حذيفة وقوله: للمرأة ستران القبر والزوج رواه الطبراني عن ابن عباس وقوله: لكل أحد حرفة وحرفتي شيئان الجهاد والفقر وقوله: احذروا الشهرتين الصوف والخز رواهما الديلمي في مسند الفردوس وقوله: أخرجوا حق الضعيفين المرأة واليتيم رواه ابن حبان في الثواب وقوله: أكثروا من ذكر القرينتين سبحان الله وبحمده رواه الديلمي وقوله أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان الفم والفرج وقوله: اقتلوا الأسودين الحية والعقرب رواهما الترمذي وغيره وقوله الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب رواه مسلم وقوله عشيتكم السكرتان حب العيش وحب الجاه رواه في الحلية وقول أبي بكر أهلكهن الأحمران الذهب والزعفران رواه مسدد في مسنده وقول الشاعر:
أمسى وأصبح من تذكاركم وصبا = يرثي لي المشفقان الأهل والولد
قد خدد الدمع خدي من تذكركم = واعتادني المضنيان الوجد والكمد
وغاب عن مقلتي نومي لغيبتكم = وخانني المسعدان الصبر والجلد
لا غرو للدمع أن تجرى غوار به = وتحته المظلمان القلب والكبد
كأنما مهجتي شلو بمسبعة = ينتابها الضاريان الذئب والأسد
[شرح عقود الجمان: 71]
لم يبق غير خفي الروح في جسدي = فذلك الباقيان الروح والجسد
قال عبد الباقي اليمني وقد يجيء في آخر العجز والصدر معا كقوله:
فما زلت في ليلين شعر وظلمة = وشمسين من خمر ووجه حبيب
قال وقد يجيء بدل المثنى بمعطوفين بعدهما معطوفان كقوله:
لله ليلتنا إذ صاحباي بها = بدر وبدر سماوي وأرضي
قال وقد يفسر المثنى بمفرد مضاف كقول البحتري:
ومتى تساهمنا الوصال ودوننا = يومان يوم نوى ويوم صدود
ولم أر من ذكر هذه الفروع غيره وبقى فرع لم أر من نبه عليه وهو أن يأتي بمثنيين ومثنيين ثم بأربع مفردات اثنين للأولين واثنين للآخرين كحديث: تعوذوا بالله من عذابين وفتنتين عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات وحديث: أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال رواه الحاكم:
[وذكر خاص بعد ذي عموم = منبها بفضله المعلوم
كعطف جبريل وميكال على = ملائك قلت وعكسه جلا
ومنه تكرير لأجل نكتة = مثل تأكد ونفي التهمة
أو طول أو تنويه أو تلذذ = أو الجزاء نفس شرطه احتذى
أو قصد الاستيعاب والترديد حق = علق تكرير بغير ما سبق
ومثله تعطف لكن حذا = في فقرتين ثم ترجيع شذا]
من أسباب الإطناب ذكر الخاص بعد العام وذلك للتنبيه على فضل الخاص حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات نحو: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف. ومنها عكسه أي ذكر العام بعد الخاص كما زدته نحو رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات. ومنها التكرير لنكتة وقد بينت نكتته من زيادتي وذلك كالتأكيد للإنذار في قوله تعالى: كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون أو لغيره كقوله تعالى: وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين، ولزيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول نحو وقال الذي آمن يا قوم الآيات كرر فيه النداء لذلك أو لطول الكلام لئلا يجيء مبتورا ليس له طلاوة نحو: ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم، أو تنويه بشأن المذكور كحديث إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم وقول أبي الطيب:
العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن
أو تلذذ بذكره كقوله:
سقى الله نجدا والسلام على نجد = ويا حبذا نجد على النأي والبعد
أو إيقاع الجزاء نفس الشرط نحو قولهم من أدرك الصميماء فقد أدرك أي أدرك مرعى ليس بعده مرعى ومنه. وإن لم تفعل فما بلغت أي فقد ارتكبت أمرا عظيما وحديث: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله الحديث أو بقصد الاستيعاب قال ابن الحاجب العرب تكرر الشيء مرتين
[شرح عقود الجمان: 72]
لتستوعب تفصيل جميع جنسه باعتبار المعنى الذي دل عليه اللفظ المذكور كقوله بينت له الكتاب كلمة كلمة أي متصلا باعتبار كلماته وقوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين: أي مرة بعد مرة ثم نبهت من زيادتي أيضًا على أنواع خاصة من التكرير: أحدها يسمى الترديد وهو أن يعلق المكرر ثانيًا بغير ما يعلق به الأول كقوله تعالى: الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري. وقع فيها الترديد أربع مرات وحديث الترمذي «السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة» وجعل منه قوله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان فإنها وإن تعددت فكل واحدة تتعلق بما قبلها ولذلك زادت على ثلاثة ولو كانت عائدة لواحد لم ترد كما هو شأن التوكيد كما ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النعمة للتحذير نعمة. وقد سئل أي نعمة في قوله تعالى: كل من عليها فان. وأجيب بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور وراحة المؤمن والناس من الفاجر كما وردت به الأحاديث. ثانيها التعطف وهو مثل الترديد إلا أنه يشترط في إعادة اللفظ أن يكون في فقرة أخرى أو مصراع آخر كقوله:
يساق إليه المدح غير مكرر = وسقت إليه المدح غير مذمم
ثالثها الترجيع. قال الطيبي: وهو أن يكون المعنى مهتما بشأنه فإذا شرع في نوع من الكلام نظر إلى ما يتخلص إليه فإذا تمكن من إيراده كر إليه كقوله تعالى: ولا تعجبك أموالهم الآية. قال الزمخشري في تجديد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه لقوته فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه:
[ومنه إيغال كلام قد ختم = بما يفيد ما بدونه يتم
ثم الأصح أنه ليس يخص = بالشعر فالقرآن فيه جاء نص]
من أسباب الإطناب الإيغال وهو الإمعان وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة في قول الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به = كأنه علم في رأسه نار
شبهته بالعلم الذي هو الجبل وزادت بأن جعلت في رأسه نارا مبالغة في الاهتداء به وتحقيق التشبيه في قول امرئ القيس:
كأن عيون الوحش بين خيامنا = وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
زاد قوله لم يثقب تحقيقا للتشبيه لأنه حينئذ أشبه بالعين والأصح أنه لا يختص بالشعر فقد جاء في القرآن قال تعالى: اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون. فقوله وهم مهتدون يتم المعنى بدونه لأن الرسول مهتد لا محالة إلا أن فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب في الرسل ومن قال بتخصيصه به قال في حده ختم البيت:
[ومنه تذييل بجملة حوت = مؤكدا معنى التي قبل خلت
فمنه ما كمثل ومنه لا = وأكد المنطوق والضد جلا
ومنه تكميل وربما سمى = بالاحتراس أن يجي في موهم
خلاف مقصود بما يدفعه = فإن لغير موهم أتبعه
[شرح عقود الجمان: 73]
بفضلة لنكتة فيها تراض = فذاك تتميم ومنه الاعتراض]
من أسباب الإطناب التذييل والتكميل والتتميم. فالأول أن يأتي بجملة عقب جملة والثانية تشتمل على معنى الأول للتأكيد، وهو ضربان: ما خرج مخرج المثل بأن يقصد حكم كلي منفصل عما قبله جار مجرى الأمثال نحو: ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور: أي هل يعاقب على أن المراد أعم من الجزاء الأول: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. وقال الصفي:
لله لذة عيش بالحبيب مضت = فلم تدم لي وغير الله لم يدم
وما ليس كذلك بأن لم يستقل بإفادة المراد بل توقف على ما قبله كالآية الأولى إذا جعل التقدير وهل يجازي ذلك الجزاء المخصوص واجتمعا في قوله تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخالدون من الثاني {كل نفس ذائقة الموت} من الأول، ومنه ما كان لتأكيد منطوق كالآية السابقة فإن زهوق الباطل منطوق في وزهق الباطل، وما لتأكيد مفهوم كقول النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمه = على شعث أي الرجال المهذب
فإن صدر البيت دل بمفهومه على نفي الكمال من الرجال فأكد ذلك بقوله: أي الرجال المهذب. والثاني أن يؤتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يرفع ذلك الوهم، فمنه ما يقع بين المسند إليه والمسند كقوله:
فسقى ديارك غير مفسدها = صوب الربيع وديمة تهمي
لما كان المطر قد يؤدي إلى خراب الديار وفسادها أتى بقوله غير مفسدها لذلك ولهذا عيب على القائل * ولا زال منهلا بجرعائك القطر * حيث لم يأت بهذا القيد ومنه ما يقع في آخره نحو: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فإنه لو اقتصر على أذلة لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله تعالى أعزة. والثالث أن يؤتي في كلام لا يوهم غير المراد بفضله لنكتة كالمبالغة في قوله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه: أي مع حبه أي الطعام أي اشتهائه فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا، ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة من غير الفريضة إلا ابتنى الله له بيتا في الجنة» رواه مسلم فقوله من غير الفريضة تتميم وقولي ومنه الاعتراض يأتي شرحه مع ما بعده.
لطيفة: تسمية هذه الأنواع أنواع البديع أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها وقد يذكر فيها معان ليست بلازمة قال الشيخ بهاء الدين ليت شعري أي فرق في اللغة بين التكميل والتتميم وهما شيء واحد ثم قال ويمكن أن يفرق بأن التكميل استيعاب الأجزاء التي لا توجد الماهية إلا بها والتتميم لما وراء الأجزاء من زيادات يتأكد بها ذلك الشيء الكامل ويستأنس لذلك بقوله تعالى: تلك عشرة كاملة: أي لم تنقص أجزاؤها وقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة. روى إتمامهما أن يحرم بهما من دويرة أهله وهو وصف فيه زيادة على الأجزاء فإن ماهيتي الحج والعمرة توجدان بدونه وقد جمع تعالى بينهما بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي لما كانت أركان الدين وجد منها الجزء الأخير إذ ذاك استعمل فيه الكمال ولما كانت نعم الله تعالى حاصلة للمؤمنين قبل ذلك اليوم غير ناقصة استعمل فيها الإتمام لأنه زيادة على نعم الله التي كانت قبل كاملة قال فإن تم هذا ظهر وجه تسمية الأول بالتكميل لأنه يدفع إيهام غير المراد وذلك كالجزء من المراد إذ الكلام إذا أوهم
[شرح عقود الجمان: 74]
خلاف المراد كان كالذي دلالته ناقصة بخلاف التتميم.
تنبيه: ربما يسمى التكميل احتراسا وقوم منهم أصحاب البديعيات فرقوا بينهما. قال ابن حجة: التكميل يأتي لنقص المعنى والوزن معا والاحتراس لدخل يتطرق المعنى وإن كان كلاما تاما ووزن الشعر صحيحا. قلت وهذا فرق غير واضح، وقال عبد الباقي اليمني لا يكاد البديعيون يحررون ثلاثة أشياء التتميم والتكميل والاحتراس لتداخلها ثم قسم التتميم إلى أنواع. الأول تتميم المعنى للمبالغة كالآية السابقة. الثاني تتميمه للصيانة عن الخطأ كقوله غير مفسدها. الثالث تتميم اللفظ بما يقوم به الوزن فمنه حشو لطيف وهو حشو اللوزينج كقوله غير مفسدها. الثالث تتميم اللفظ بما يقوم به الوزن فمنه حشو لطيف وهو حشو اللوزينج كقوله * يرى كل من فيها وحاشاك زائلا * ومنها ما لا يعد بديعا وفسر الاحتراس بأن يؤتى بمدح أو غيره بكلام للانتقاد فيه مجال فيحترس من ذلك بكلام آخر كما في حديث أم زرع المس مس أرنب والريح ريح زرنب وأغلبه والناس يغلب لو اقتصرت على قولها وأغلبه لتوجه عليها أن يقال إن رجلا تغلبه امرأة لضعيف فاحترست بقولها والناس يغلب وقول الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي = على إخوانهم لقتلت نفسي
كأنها فطنت أن يقال لها قد ساويت أخاك بالهالكين فاحترست بقولها:
وما يبكون مثل أخي ولكن = أعزي النفس عنه بالتأسي
وفسر التكميل بأن يؤتي بكلام ناقص من جهة مفهومه فيكمله بجملة ترفع عنه النقص كقوله * وما مات منا سيد في فراشه * لو اقتصر عليه لكان وصفا لقوما بالصبر على القتل دون الانتصار فتكلمه بقوله * ولا طل منا حيث كان قتيل * قلت لا يكاد يتبين لي الفرق بين الاحتراس والتكميل:
[بجملة أو فوق ما لها محل = بين كلام أو كلامين اتصل
لنكتة تقصد كالتنزيه = لا دفع الإيهام وكالتنبيه
وكالدعاء في قوله بلغتها = بعد الثمانين وما أشبهها
وبعضهم جوزه في الطرف = وقال قوم غير جملة يفي]
من أسباب الإطناب الاعتراض، وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب في أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكتة غير دفع الإيهام كالتنزيه في قوله تعالى ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون فقوله سبحانه اعتراض لتنزيه الله تعالى عن البنات والتنبيه في قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه = أن سوف يأتي كل ما قدرا
فقوله فعلم المرء ينفعه اعتراض، والدعاء في قول عوف بن محلم الشيباني:
إن اليمانين وبلغتها = قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
فقوله وبلغتها اعتراض في أثناء الكلام لقصد الدعاء، وما أشبه ذلك كالتسلي في قول جرير:
ولقد أراني والجديد إلي بلى = في موكب طرف الحديث كرام
فقوله والجديد إلي بلى اعتراض للتعزي عما مضى من لذة عشرة الأحباب، والاستعطاف في قول المتنبي:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه = يا جنتي لرأيت فيه جهنما
وقال كثير:
لو أن الباخلين وأنت منهم = رأوك تعلموا منك المطالا
[شرح عقود الجمان: 75]
فقوله وأنت منهم اعتراض في غاية الحسن، ومن وقوعه بأكثر من جملة قوله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم} فقوله: {نساؤكم} متصل بقوله: {فأتوهن} لأنه بيان له وما بينهما اعتراض وقوله تعالى {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} إلى قوله: {وقيل بعدا} فيه اعتراض بثلاث جمل وهي {وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودي} وقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} إلى قوله: {متكئين على فرش} فيه اعتراض بسبح جمل إذا أعرب حالا منه وقد يقع اعتراض في اعتراض نحو فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم. فقوله وإنه لقسم الآية اعتراض وقوله لو تعلمون اعتراض في الاعتراض. قال الطيبي: ووجهه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن مجيئه مجيء ما لا يترقب فيكون ألذ كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب. وقال قوم: يجوز وقوع الاعتراض في آخر الكلام فقد يجامع التكميل والتذييل حيث لا محل لهما. وقال قوم: يجوز أن يكون غير جملة لكن في الأثناء فيجامع من التتميم والتكميل ما وقع في الأثناء:
[وقد يكون مطنبا بغير ذا = من جمل وأحرف لها شذا]
قد يكون الإطناب بغير ما تقدم كتكسير الجمل قال تعالى إن في خلق السموات والأرض الآية طولها في سورة البقرة وأطنب فيها أبلغ إطناب ليكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل والموافق والمنافق. وقال تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به فقوله ويؤمنون به إطناب لأن إيمان حملة العرش معلوم وحسنه إظهار شرف الإيمان ترغيبًا فيه {فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}. وليس في المشركين مزك والنكتة الحث للمؤمنين على أدائها والتحذير من المنع حيث جعل من أوصاف المشركين ومن ذلك {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا} لتناسب القسم والمقسم عليه. ومنه الإتيان بحروف التنبيه والصلات كلا أقسم فبما رحمة ونحو ذلك.
[وبهما كلامهم موصوف = إن كثرت أو قلت الحروف
بنسبة إلى كلام آخر = ساواه في المعنى إذا ما نظر]
قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له في أصل المعنى فيقال للأكثر حروفًا إنه مطنب وللأقل إنه موجز كقوله:
يصد عن الدنيا إذا عن سودد
فإنه بمعنى قوله:
ولست بنظار إلى جانب الغنى = إذا كانت العلياء في جانب الفقر
والأول أقل حروفًا ويقرب منه قوله تعالى – لا يسأل عما يفعل وهم يسألون – مع قول الحماسي:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم = ولا ينكرون القول حين نقول
فائدة: ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة وهذا هو الإيجاز بعينه وذكر جماعة منها البسط وفسروه ببسط الكلام وتكثيره بلا حشو وهذا هو الإطناب لكن ينقدح عندي أنه خاص بنوع واحد منه وهو الإطناب بتكثير الجمل بخلاف الأنواع السابقة وعلى هذا يكون مقابلا لإيجاز القصر والإطناب بالأنواع السابقة مقابلاً لإيجاز الحذف.
خاتمة: قد انتهى القول في علم المعاني ولله الحمد والمنة، وفيه أمور أوردها جمع في البديع منهم
[شرح عقود الجمان: 76]
الطيبي في التبيان وأصحاب البديعيات، وهي الالتفات والخطاب العام والتغليب والأسلوب الحكيم والإيضاح بعد الإبهام والتكرار والترديد والتعطف والترجيح وذكر الخاص بعد العام وعكسه والإيغال والتذييل والتكميل والاحتراس والتتميم والإشارة والبسط. ويليه علم البيان بحمد الله وإعانته.

No comments:

http://www.piss-ktb.com/

Silahkan copy dan sebarkan code Widget Islamuna Search Engine di bawah pada blog dan website anda :
Islamuna
Islamuna Search Engine

Beranda | Qiblat | Jadwal Shalat | Almanak | Waris | Widget | Pustaka Copyright © Islamuna Network 2013.
 
back to top